على الرغم من ظهور أدوات جديدة وطرق أحدث للوصول والتعامل مع ذلك العميل، إلا أن التسويق عبر البريد الإلكتروني على الرغم من قِدمه النسبي مازال يحتل مركز الصدارة بين أكثر الطرق نجاحًا في الوصول إلى العميل المستهدف، والتعامل معه.
كل يوم تتطور تقنيات التسويق عبر الإنترنت، وتظهر أدوات ومنصات مختلفة، تختلف في وظيفتها ولكنها تتفق في هدفها، وهو الوصول إلى العميل المستهدف .. وذلك بأي طريقة كانت.
تقول الإحصائيات أن كل 1$ تنفقه الشركة على التسويق عبر البريد الإلكتروني Email Marketing يعود إليها بإيرادات قدرها 21$.
وهذه إحصائية محدودة، تحسب المتوسط فحسب، ولكن الخبراء في هذا المجال مثل نيل باتل Neil Patel يرى أنه يستطيع تحقيق نتائج مبهرة عن طريق التسويق عبر البريد الإلكتروني.
ولكن للأسف، حينما يأتي ذكر حملات البريد الإلكتروني، فأول ما يتبادر إلى أذهان الناس هو شراء كومة من الإيميلات من مكان ما والقيام بحملات مزعجة Spam، وبعد الحصول على نتائج غير مرضية، يعودوا إلى رفقاء الصنعة، ويقولون أن التسويق بالبريد الإلكتروني غير مجدي ! .. وما علاقة هذا الهراء بالتسويق الإلكتروني أصلاً؟
دع عنك هذا الحديث وانظر كيف يعمل المحترفون حينما يأتي الحديث عن التسويق بالبريد الإلكتروني Email Marketing.
أولا: حدد الهدف الأساسي من حملة التسويق عبر البريد الإلكتروني
قبل أن تبدأ، يجب أن تحدد الهدف الذي سيدفعك إلى السير في هذا الطريق من البداية. ما هو الهدف من إنشاء حملة للتسويق عبر البريد الإلكتروني؟
يتحدد الغرض بناءً على طبيعة عمل الشركة. شركة الإعلانات ترغب في أن تزيد عدد مشاهدي إعلاناتها، أو رؤية الفيديوهات الخاصة بها على اليوتيوب YouTube.
المتجر الإلكتروني يرغب في أن يحقق أعلى نسبة من المبيعات، وخاصة في المواسم.
وهكذا .. لن تستطيع السير ما لم تحدد الوجهة أولاً.
ثانيًا: حدد .. لمن تكتب؟
لا أذكر أين قرأت تلك المقولة من قبل “إذا أردت الذهاب إلى أي مكان، فكل الطرق تصلح لك If you want to go anywhere, then every way is good” ولكنها صحيحة إلى حد كبير.
يجب أن تحدد من هم الأشخاص الذين تنوي الكتابة لهم. حدد الـ Buyer Persona الخاصة بعميلك المرتقب. انظر من خلال عينيه، ارتدي حذاءه، فكّر كما يفكر، ابحث في حاجاته، ما هي أكثر الإحباطات التي تواجهه، ما هي التحديات التي تعوقه .. بهذا وحده فقط، لن تشعر بالغربة حيال من تكتب له. سيبدو لك الأمر وكأنّك تبيع شيئًا لأخيك أو لصديقك المقرب .. إلى أي مدى سيبلغ نجاحك في هذه الحالة؟ خمّن أنت.
صاحب المتجر الإلكتروني يعلم أن قرار الشراء في يد الأم. لأنها هي التي تقوم بإعداد قائمة المشتريات الخاصة بكل من في المنزل. لذلك سيكون استهدافه منصبًا عليها. (أي مثلاً الفئة العمرية من 24 فما فوق، وستكون لغة الخطاب تبدأ بـ “سيدتي فلانة” وسيتحدث مضمون الخطاب عن من تهتم لأمرهم “الزوج والأبناء مثلاً” وهكذا).
أما الشركات غير الربحية التي تعني بمرض ومرضى السرطان، فحتمًا سترغب في أن يكون روادها من مرضى السرطان الحاليين، و/أو الذين تعافوا من المرض بالفعل.
تحديد شخصية العميل المستهدف لك – اسمه عميل سواء كان الغرض ربحي أو غير – خطوة رئيسية، فلا تخط الخطوة التالية إلا بعد أن تنتهي منها.
ثالثًا: قم ببناء وتكبير حجم القائمة البريدية
ما هو السبب الذي يدفع المشترك إلى إعطائك بريده الإلكتروني أو بياناته الشخصية التي بها يصبح مشتركًا في قائمتك البريدية؟
ما هو الشيء الذي تستطيع تقديمه له، أو تحفيزه من خلاله كي يقوم بعمل هذا الإجراء؟
هذه هي الخطوة التالية في رحلتك، وأعتقد أنها سهلة نسبيًا فور تحديد العميل المستهدف Buyer Persona، فالمعلومات المتاحة لك كافية بالفعل لتعلم من تخاطب، وما هي الطريقة التي تستطيع جذبه بها.
إذا كان عميلك المستهدف أمًا جديدة على وشك وضع طفلها الأول، فحتمًا تستطيع اجتذابها بأشياء مثل:
أسهل/أقصر دليل إرشادي للأم الجديدة للعناية بالطفل في الشهور الـ 6 الأولى (إذا كان الموقع عبارة عن مدونة).
تخفيض 30% على كل منتجات الأطفال الرضع (إذا كان الموقع عبارة عن متجر إلكتروني).
أول كشف مجانًا (إذا كان الموقع عبارة عن عيادة طبية).
وهكذا .. الأفكار غير محدودة، وفور التحقق من شخصية من تبيع له،ستجد أنه من السهل للغاية اجتذابه والتأثير عليه.
وستلاحظ من الآن في البنود التالية أن كافة العناصر الأخرى مترتبة على هذه الخطوة، كما سيتضح.
رابعًا: استراتيجية المحتوى
ما هو النهج الذي ستتخذه في مسألة نشر المحتوى لأعضاء قائمتك البريدية؟
هل لديك نهج معين خاص بك؟
تستطيع إنشاء نهج خاص بك عن طريق التواصل المكثف مع مشتركي قائمتك البريدية، وسؤالهم عن تفضيلاتهم، ومن ثم يكون لديك تصور كامل عما يرغبوا فيه من المحتوى .. هذه واحدة.
إن عجزت عن ذلك، تستطيع التلصص على المنافسين، عن طريق الاشتراك في قوائمهم البريدية وملاحظة الطريقة التي يستخدمونها في التسويق لأعضاء قائمتهم البريدية، وفعل المثل أو ما هو أفضل .. هذه الثانية.
لنضرب بعض الأمثلة…
صاحب المدونة المتخصصة Niche من الممكن أن يرسل رسالتين بالمعلومات المفيدة، والثالثة بها عرض ترويجي سواء لمنتجه أو منتج يأخذ عليه عمولة Affiliate.
صاحب المتجر الإلكتروني يسفيد كثيرًا من قائمة مثل هذه عن طريق نشر أحدث المنتجات والعروض، وكذلك التنويه عن مواسم التخفيضات (مدراس، أعياد، مناسبات خاصة، .. الخ).
صاحب قناة الـ YouTube سيحرص على أن يرسل رسالة مع كل فيديو جديد يتم إضافته إلى قناته، وكذلك التنويه عن التحديثات المتعلقة بتلك الفيديوهات، وربما نشر الكواليس الخاصة بها.
خامسًا: جدول إرسال الرسائل
ما هو أفضل جدول لنشر الرسائل البريدية لأعضاء قائمتي البريدية؟ هل هو يومي؟ أسبوعي؟ شهري؟ وما هو الخيار الأفضل بالنسبة لك؟
حسنًا .. لنناقش الخيارات الثلاث واختر أنت ما يناسب طبيعة عملك:
الإرسال بشكل يومي: أنت تكتب لقرائك بشكل يومي، فأنت إذن تسعى لبناء علاقة شديدة القوة، وكأنك تحدثهم بيومياتك، وبدقائق حياتك. أنت لا تريدهم أن يبقوا بعيدًا عنك. غير أن هذا النمط في بعض الأحيان يؤثر سلبًا على مشتركي قائمتك البريدية، فيشعرون بأنهم قد تعرضوا لكم هائل من المعلومات بشكل متواصل. لذلك أنصح – في حالة اتخاذ هذا النهج – أن تكون الشريحة التي تعمل بها تستحق المتابعة اليومية، وأن تحرص كذلك أن تكون الرسالة قصيرة لا تتطلب الكثير من العمل، وألا تجعل كل رسائلك تحتوي على روابط خارجية.
الإرسال بشكل أسبوعي: هذا هو المعدل المثالي في إرسال الرسائل لمشتركي قائمتك البريدية. فقرائك في هذه الحالة يتوقعون قربك منهم، يستفيدون مما تقدم من معلومات، وفي نفس الوقت لن يشعروا بطغيان المعلومات على عقولهم. هذا هو النمط المثالي الذي أرشحه لأي شريحة Niche.
الإرسال بشكل شهري: قد يكون صعبًا بعض الشيء أن تتواصل مع عملائك برسالة كل شهر، ولكن إذا كان مشتركو قائمتك البريدية يستوعبون شيئا مثل هذا، بعدما أخبرتهم به بشكل صريح (أنك لن تراسلهم إلا إذا كان هناك ما يستدعي ذلك)، فستكون هذه استراتيجية مقبولة. ستكون مقبولة كذلك إذا كانت الرسالة التي ترسلها لهم دسمة للغاية ومليئة بالمعلومات المفيدة التي تحتاج منهم وقتًا في القراءة، مع الكثير من التطبيق والمتابعة العملية. أشترك حاليًا في قائمة بريدية لأحد خبراء الـ SEO يقوم بمراسلة أعضاء قائمته بنحو مرة كل شهر أو شهرين، غير أن الرسالة التي يرسلها غالبًا مالا تقل عن 6000 كلمة أو أكثر، وتتطلب الكثير من التطبيقات العملية الفورية.
الآن القرار لك.
سادسًا: كيف تكتب الرسالة التي تُقرأ
الرسالة الجيدة تبدأ من العنوان. فالعنوان هو العنصر الذي سيحدد ما إذا كان مستقبل الرسالة سيفتحها أم يقوم بتحويلها إلى سلة المهملات/الرسائل المقروءة/ملف القراءة اللاحقة.
نعود مرة أخرى إلى شخصية العميل المستهدف Buyer Persona والتي تحدثنا عنها من قبل. فبناءًا على حسن إدراكك وفهمك لذلك الشخص، سيكون لديك القدرة على اختيار العنوان الأكثر تأثيرًا فيه.
لو مثلاً اخترنا شريحة التعامل مع الأم الجديدة التي على وشك الوضع، فربما تكون عناوين مثل هذه مثيرة لها:
10 أشياء لا يجب أن تغفل عنها الأم يوم الولادة
كيف يمكنك معرفة ما إذا كان الطبيب الذي تتابعين معه جيدًا أم لا
مفاجأة .. في 3 أشهر فقط يمكنك استعادة وزنك وشكل جسمك بعد الولادة
هذا هو شأن العنوان، فماذا يحدث إذًا عندما يفتح الرسالة؟
البعض يبدأ رسالته بتحية عامة مثل “أهلا بكم”، “أهلا”، “hi”، “سيدي/سيدتي” .. مثل هذه التحيات العامة تؤثر على نسبة التحويل Conversion Rate ومدى ارتباط وتأثر المشترك في قائمتك بما تقدم.
هناك الآن خدمات قوائم بريدية مثل GetResponse، MailChimp، Aweber، وغيرها الكثير يسمح لك بتخصيص الرسالة، كي تبدأ بالاسم الأول للشخص الذي قام بالتسجيل، وفي نفس الوقت يكون لديك إمكانية إرسال الرسالة لكل المشتركين مرة واحدة.
أيضًا من طرق التخصيص في الرسالة ألا تتحدث بصيغة الجمع، مثل “ويجب أن تدركوا”، “لأخبركم”، “لكم”، أو “إننا هنا … “، “نريد أن نوضح لكم …”، ولكن اجعل الرسالة بضمير المخاطب المفرد، فمن ترسل له الرسالة حتمًا سيقرأها وحده، وليس في جمع من الناس.
بفعل مثل هذه الخطوات، بالإضافة إلى دراسة شخصية المتلقي للرسالة Buyer Persona، سيكون لديك رسالة مخصصة عالية الجودة.
لن يتبقى إلا جعل لغة الرسالة بسيطة، ودودة، خالية من التكلف، والتنطع العلمي. إذا ذكرت مصطلح معقد تتطلب الرسالة التعرض له، قم بشرحه في ثنايا رسالتك، حتى لا تصنع حواجز بينك و بين قرائك.
سابعًا: أرسله الآن … ولكن، لحظة……
هناك خطوة بسيطة للغاية يجب أن تقوم بها قبل أن تضغط على زر الإرسال Send وترسل الرسالة. هذه الخطوة هي: مراجعة الرسالة.
وأقصد بالمراجعة، أن تقرأها وتتفقد ما بها من أخطاء إملائية أو نحوية. فهذا الأمر يسقط من الكثير من رفقاء الصنعة، ومن ثم تستطيع التميز عليهم، إذا حرصت على مراجعة رسالتك مراجعة جيدة كل مرة قبل الإرسال.
المراجعة الإملائية والنحوية أساس لا يقبل المناقشة. ولكن هناك نوع آخر من المراجعة، وهو المراجعة الصياغية.
هل أنت راض عن هذه الرسالة؟
هل هذه هي الرسالة المرغوبة التي تحب أن يقرأها زوارك، أم لديك ما هو أفضل؟
إذا انتهيت من هذه الخطوات، ورأيت أنك قد قمت بكل ما لديك بالفعل، وليس لديك المزيد. اضغط على زر إرسال الرسالة Send، وانتظر ردود الأفعال.
ثامنًا: التحسين المستمر
ميزة التطبيق العملي لأي علم من العلوم هو عنصر التسجيل. قد يكون لديك تصور مسبق من نوع ما عن أي شيء. ولكن حينما تقوم بإجراء تجربة عملية على هذا الشيء، سيصبح لديك نتائج واقعية تحليلية عنه.
إرسال الرسائل إلى أعضاء قائمتك البريدية، ومراقبة عدد من فتح الرسالة منهم، وما هي ردود أفعالهم حيال تلك الرسالة، وتسجيل تلك الأرقام، هو العنصر الإحصائي في هذه العملية، ومن ثم تستطيع تحليل تلك الأرقام على ضوء طبيعة ونوعية العمل الخاص بك، ثم اتخاذ القرار المناسب.
ما هي الطريقة التي تعمل؟ حسَّنها واستمر عليها.
ما هي الطريقة التي لا تعمل؟ عالجها أو توقف عن فعلها.
تاسعًا: لا تشبع من المزيد
البعض يستهدف عدد معين من المشتركين، ثم يتوقف حينما يصل إلى هذا العدد .. ارفع سقفك إلى فوق حيث ما وصل الآخرون.
لماذا يتكاسل البعض بعدما يصل عدد المشتركين في قائمته البريدية إلى 10 آلاف، أو 20 ألف. هل سوقه ضيق إلى هذا الحد؟ استمر .. فربما تحدث طفرة في أي وقت تتحول معها الشريحة الضيقة التي تعمل بها إلى سوق ضخم محط أنظار جمهور إضافي، يجلب إليك المزيد من المشتركين في قائمتك البريدية. حينها ستكون أنت الرائد، وسيتبعك الآخرون، وستتكفل سمعتك وحجم قائمتك البريدية بترويجك لدى الآخرون.
أن يكون لديك قائمة بريدية فهذا أمر مفروغ منه، ولكن أن تديرها على النحو الملائم، فليس الجميع يعلم هذا، وربما يكون هذا المقال هو البداية.
لكل من يرغب في إجراء حملة للتسويق عبر البريد الإلكتروني يطلع الى هذا المقال .. طاقة الإبداع لا تنتهي في هذا القطاع من التسويق